لقاء مع الشيخ سليمان الراجحي . . .
بدايات ضعيفة قادته للقمة - ثروة هذا الرجل اليوم تقدر بـ 5 مليار و مئتين مليون دولار
ويحتل المركز 91 من لائحة فوربس لأثرياء العالم للعام 2005
--------------------------------------------------------------------------------
الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي كانت لـه ولا زالت محطات عامرة في مسيرة رحلة الكفاح المرير بدأ من لا شيء حتى أصبح رقماً على خارطة رجال الأعمال البارزين لم يتسرب اليأس يوماً إلى قلبه.. أصدق الله في كل صغيرة وكبيرة فأصدقه.. وفي لقاء مفتوح لا تنقصه الصراحة سرد تاريخ حياته منذ أن كان يعمل حمَّالاً يتقاضى ريالاً واحداً حتى تكللت رحلته الشاقة فصار اليوم يدير 15000 موظف في مواقع عمله العديدة.. ونحن إذ نفرد هذه المساحة عن مسيرة هذا الرجل العصامي إنما نقدم للشباب الطامحين أنموذجاً فريداً يحتذى به ونبراساً يضيء للآخرين عتمة الطريق ليتحسسوا طريقهم على خطى راسخة وثابتة.. فهو النموذج، قاوم التحديات وقهر الصعاب وجعل من العزيمة والإصرار والتوكل على الله زاداً لـه لشق طريق المجد حتى صار بالكفاح والنضال رجلاً لا تخطئه العين.
اقتصاديات إذ تدون لهذا الرجل رحلة نجاح أخذت على عاتقها منذ صدورها أن تفرد مساحة لمثل هؤلاء الرجال.. فمعاً نبحر في مسيرة الرجل القمة الشيخ سليمان الراجحي..
النشأة والبداية؟
يقول الراجحي نشأت كغيري من الشباب في هذا البلد ولا أمتلك من الشهادات الأكاديمية عدا الشهادة الابتدائية والتجار في ذلك الوقت كانوا لا يملكون أكثر من ألف أو ألفي ريال بمعنى أنه كان هنالك شح مادي، وفي بداية رحلتي عملت حمَّالاً بريال واحد وأنا أعتبر ذلك من باب الرجولة والفخر حتى لا أمد يدي لأحد، ثم بعد ذلك عملت صبياً وكان عملي شهري بريال ثم عملت (رمّاد) أجلب الرماد من المنازل ليخلط مع الطين ويبنى به المساجد بـ 10 ريالات وكان أصحاب المنازل يرفضون إعطائي الرماد إلا نظير أن أكنس لهم المطابخ لأنتقل بعد ذلك إلى مهنة الطباخة في قصور الفوطة حتى صرت والحمد لله طباخاً ماهراً، وكانت بداية عملي في الاقتصاد عندما عينني أخي صالح الراجحي موظفاً معه في عام 1965م وكان راتبي في ذلك الوقت 1000 ريال.
كيف بنى الشيخ الراجحي صروحه التجارية؟
بتوفيق من الله كان لديّ برنامج عمل لا أحيد عنه أبداً سواء كان ذلك خلال عملي في الصرافة أو في مجالات الزراعة أو الصناعة أو في مشروع الدواجن فأنا أول من يأتي إلى مكان العمل وآخر من يخرج منه ولابد أن يكون صاحب العمل مهتم بعمله وأول ما أسست شركة الراجحي كنت أخرج من المنزل قبل الفجر والساندوتش في جيبي وأدخل مكتبي قبل الموظفين بساعتين وأبدأ أعمل حتى كونت صروحي التجارية وأرسيت قواعدها أما الآن فصرت أوزع عملي على أولادي وأصبحت بعد أن كنت صاحب العمل صرت دلال أجلب لأولادي الزبائن وكنت أشارك بفكري في كل صغيرة وكبيرة في عملي فمثلاً في مجال العمل الزراعي كان معي دكاترة وآخرين من حملة الماجستير وأنا مؤهلي الأكاديمي شهادة الابتدائي لكني كنت أطرح عليهم بعض الأطروحات لم يدرسونها في تخصصاتهم أطرحها بطريقة عامية منظمة وكانوا يعملون بها ومن ثم توسعت في عملي وشاركت غيري ومثال ذلك مشروع الروبيان الذي أقمته بالتعاون مع شركة محمد عبد الله السبيعي وقال الراجحي إن رأس الإنسان هو كمبيوتر إذا ما استخدمه الإنسان في التفكير الجاد والعمل الدؤوب والعمل قنواته مفتوحة أمام الجميع تنتظر ولوجها.
منعطفات مرّت بك خلال مسيرتك التجارية ؟
العمل التجاري محفوف بالخسائر والأخطاء وأنا خلال مسيرتي تعرضت لأخطاء كثيرة وخسائر جمة ولكني لم أقف عندها مكتوف الأيدي بل عالجت الأخطاء والخسائر واستفدت منها كدروس وعبر والفشل والنجاح متلازمان ومنها على سبيل المثال عمليات الترحيب والهدايا والكرم والضيافة التي كانت تقدم لنا في الخارج لا تتم من أجل الاحتفاء بنا وإنما تضاف لقيمة الصفقة التجارية وأحث رجال الأعمال بتدارك هذه الشكليات وأشدد على عدم التعامل بالمال الحرام لأنه يقود للفشل فالتاجر يجب أن يهتم بالهللة قبل الريال وبالريال قبل الآلف، بالألف قبل المليون ولابد من الأمانة والمصداقية والخوف من الله في كل شيء.
كيف تراقب موظفيك وأعمالك ؟
أي تاجر أو صاحب عمل يجب أن يكون لديه دفتر يسجل فيه يومياً كل ما هو وارد أو منصرف ولا يترك أي شاردة ولا واردة فأنا كنت أعمل في جدة وأول مصرف فتحته كان سنة 1966م كان لديّ محاسب وكنت أسجل كل شيء في الدفتر وبعد فترة طلبت من المحاسب إعداد ميزانية وعندما أعدها المرة الأولى قلت خطأ فراجعها ثانية وأيضاً قلت لـه خطأ، ولم يعدها صحيحة إلا المرة الثالثة فعرضت عليها ما أعددته من ميزانية فكانت مطابقة تماماً لميزانيتي التي أعددتها. فأنا أتابع عملي بنفسي وأراقب كل شيء بنفسي ومن هنا أعيب على رجال الأعمال السفر والبعد عن مواقع عملهم وتركها للأجانب فإذا كان لابد من السفر فلا مانع أن يكون يوماً أو يومين أو أسبوعاً.
عُرف وقتك بالمصداقية في التعامل أما في الوقت الحالي يشتكي الناس عدم المصداقية ما تعليقكم على ذلك ؟
المصداقية في وقتنا حقيقة كانت موجودة والثقة بين الناس كانت متوفرة بأريحية تامة وكان الناس يأتون بأموالهم إلينا دون معرفة عددها كم ولم نكن نتعامل معهم بأوراق ثبوتية وأضرب لكم مثالاً عن الثقة المتناهية بين الناس عندما كنا نُرسل نقوداً أو ذهباً أنا والأخ السبيعي من جدة إلى المكان الذي نود إيصالها لـه كنا نربطها في (خيشة) ونعطيها لأي مسافر ونتصل هاتفياً مثلاً بأبي عبد الرحمن نحن أرسلنا نقوداً مع شخص يلبس عقالاً، وفي حقيقة كنا نستحي أن نسأله عن اسمه فكانت الأمانة موجودة وكنا صادقين مع الله وهنا أستشهد بموقف مر بي ذات مرة فقد أرسلت صندوقاً فيه 40.000 جنيه نيجيري وكان الجنيه النيجيري يعادل في ذلك الوقت الجنيه الإسترليني شحنته من جدة إلى بيروت ومنها إلى سويسرا مرّ الصندوق 40 يوماً لم أكن مؤمّن عليه فلم أقلق وكنت متوكلاً على الله وبعد الفترة وصل واستلم كاملاً، أما في الوقت الحالي انعدمت أو كادت أن تنعدم المصداقية وعلى أصحاب النفوس غر الصادقة أن تتوجه إلى الله وتجعل من الأمانة والصدق ديدنها..
كيف يجمع الشيخ سليمان بين العمل والمنزل ؟
ليس من الصعب أن يوازن الإنسان بين عمله ومنزله فأنا والحمد لله وفقت بالزواج من أربع نساء صالحات ساعدوني كثيراً في حملي الكبير والحمد لله عندي أبناء كبار يعملون معي، فالأبناء الكبار وجدوا مني رعاية واهتماماً كبيرين أكثر من جيلي، أما الصغار حقيقة أنا مقصر معهم لظروف العمل ولكني أعطيهم ساعتين في اليومين وأخوانهم الكبار لا يقصرون معهم جزاهم الله خيراً.
البرنامج اليومي للشيخ سليمان الراجحي ؟
ليس لديّ برنامج عمل يومي أنا معكم الآن بالرياض وبعد ساعات إن شاء الله سوف أكون بالقصيم وبرنامجي مرهون بمكان وجود العمل فأينما وجد العمل وجد سليمان الراجحي ولكني أنهض قبل الفجر لأني مربي دجاج..لو كان الأسبوع 9 أيام لقضيتها في العمل فالعمل صحة ونشاط، وقوة وسعادة وهو يُذهب الحزن من النفس فالله أعطانا العقل والعمر فيجب أن نستثمره في الطاعة والعمل في حد ذاته عبادة فيجب أن نحسنها.
مواقف طريفة مرت بك خلال مسيرتك العملية ؟
كنت ذات مرة في بيروت وكان معي ثلاثة ملايين ريال وكنت أتأهب للسفر قطعت تذكرة بـ 400 ريال ومعها 20 كيلو وزن مجاناً ولم يكن معي أمتعة فقلت أستغل ذلك، فقمت بشراء بسكويت وشيكولاته للأولاد وركبت التاكسي من الفندق متوجهاً إلى المار مع سائق التاكسي الذي شك أن معي نقود وفي أثناء التحرك ركب معي شخص وبعد قليل ركب شخص آخر وعرفت أنه لم يأخذ اتجاه المطار حينها تيقنت أني وقعت في مصيدة، لكن الله سبحانه وتعالى فتح لي باباً للنجاة لأني صدقت مع الله فسألني سائق التاكسي هل أنت من هذه البلاد قلت لـه لا، فقال لي لماذا تستعجل الذهاب؟ فقلت لـه أنا موظف في وزارة الصحة ومريض وحضرت من أجل العلاج والآن أصبح معي 60 ريالاً فقط فشعرت أن السائق تغير وجهه فنزل من كان معه وعندما وصلت المطار سألته عن اسمه وعنوانه، فذكر لي أن اسمه محمد وأنا كنت متيقناً أنه نصاب وحرامي.
الكثير يقول إن الفرص التي أتيحت لكم كانت كبيرة مقارنة بالوقت الحالي ما هي رؤيتكم ؟
من قال هذا الكلام؟ وأنا أعتبر من يقول مثل هذا الكلام فاشل، والعكس تماماً فالفرص اليوم متوفرة أكثر من الماضي، الاقتصاد في تنام كبير والنقود موجودة والتكنولوجيا متطورة والسوق موجود وفرص اليوم أكثر من فرص الأمس، لكن السماء لا تُمطر ذهباً، العمل يحتاج مراقبة ومتابعة لصيقة فأنا كنت لا أعطي أحداً مفتاح مكتبي فأنا الذي افتحه وأنا الذي أغلقه وعندما بدأت التجارة كنت أبيع في اليوم ما قيمته 20 ريالاً ولا أستعجل الربح وفي عام 76م كنت أملك 100.000 ريال ولكن بالعمل والجهد والعزم توسعت التجارة وكثرت الأرباح والتجارة لا تتطلب الاستعجال عليها، ارْضَ بـ 10 ريالات إلى أن تتوسع.
تعرض مشروع الوطنية لفشل ما هي الاستراتيجية التي عالجتم بها هذه القضية ؟
الفشل أو الخسارة واردة في أي مرحلة من مراحل المشروع ومشروع الوظنية أسسته مع زوج ابنتي عبد العزيز فقد ساهمت بالمال وهو ساهم بالعمل لكن اتضح أن المشروع كان يخسر والنافق من الدجاج وصل إلى 50% ومن المعروف أن النافق إذا وصلت نسبته 10% يعتبر ذلك خسارة فقمنا بفصل الشركة ودخل معي ابني محمد ثم ذهب وجاء ابني خالد فتكشفت لنا حقائق منها أن الفنيين العاملين بالمشروع يخططون لإفشاله وهذه من الأمور المهمة وحتى نتدارك هذه الخسارة كنت أشرف بنفسي على عمليات التغيير فكانت خسائرنا السنة الأولى 50 مليون ثم 40 مليون في السنة الثانية ثم 30 مليون، ثم 20 مليون في السنة الرابعة إلى أن تلاشت الخسائر تماماً وبدأنا نحقق الأرباح ونحن لا زلنا حتى الآن نطور في المشروع من حيث الاهتمام بتنظيم الحظائر والاهتمام بصحة الدواجن وبعد أسبوعين من الآن سنقيم مناقصة لتغيير بعض الخطوط فبدلاً من أن يحوي المسلخ 500 سيتقلصون إلى 250 عاملاً وهناك أفكاراً كثيرة جميعها تصب من أهداف تطوير الإنتاج.
الشيخ الراجحي لم يكمل دراسته النظامية ونجح في العمل هل تؤيد الشاب عندما يتعثر أكاديمياً أن يتجه للعمل وهل الخبرة تتجاوز العلم في أهميتها؟
الخبرة خط والعلم خط آخر ويمكن أن يلتقي الخطان معاً فإذا وجدت الخبرة والعلم معاً فهذا هو النجاح بعينه وأكثر العباقرة الذين أثروا العلم باختراعاتهم لم يكونوا من حملة الشهادات العالية وأنا لا أنصح الشباب بترك العلم وكذلك ألا تكون الشهادة هي المرجعية بل تكون قاعدة أساسية يعتمد عليها الشباب بل يعمل ويجتهد فإذا اعتمد على الشهادة فقط ربما تزيده غروراً فمهما تكن مرتبة الشهادة صغيرة أم كبيرة يجب أن تدعم بالعمل فأنا أستفيد من أي عامل عندي يأتي بفكرة جيدة والحمد لله عندي 15.000 موظف.
نظرة الراجحي للطاقات الوطنية وما مدى قناعة رجال الأعمال بهم وإحلالهم مكان الأجانب؟
أنا أقول إن شبابنا من أقدر وأقوى وأجدر شباب في العالم، ولكن هنالك ثمة ملاحظة في الشباب السعودي أنهم يفتقدون عنصر عدم الاستقرار في العمل وهذا ما جعلنا نستعين بالأجانب فالشاب يُعَيّن ويستمر فترة شهرين وبعدها يجده يبحث عن عمل في مكان آخر وعندما يجده لا يستأذن من صاحب العمل بل يتركه ويذهب وأقولها بكل صراحة نحن لدينا قدرات وعقول لكن للأسف لا نستغلها وأستشهد هنا بموقف فقد اشتريت جهاز من الأرجنتين لمزرعة الدواجن والجهاز معقد جداً والذي قام بتركيبه مهندس سعودي حديث التخرج استعان فقط بخرائط الجهاز.
هناك إعلان عن كلية طب تبرع بها الشيخ الراجحي فهل هذا توجه لدى الراجحي لفتح قنوات جديدة للعمل الخيري ؟
من الأشياء المهمة عند الإنسان التجديد (العقل والتفكير) فأنا عملت في قنوات استثمارية كثيرة دواجن وصرافة وفي الزراعة ونجحت والحمد لله وفكرت في فتح قنوات جديدة والطب أصبح مهماً جداً في حياة الإنسان وأصبحت الأمراض المستعصية والخطرة تكثر كل يوم فكان لابد من المساهمة ومساعدة بني وطني وفي نيتي أن تكون هذه الكلية نواة لجامعة في المستقبل وأبنائي هم أصحاب الفكرة وهم الذين يتبنون العمل الآن.
هل العمل في المجال العقاري كان السبب الرئيسي وراء ثروتك ؟
أنا عملت في العقار وساهمت في الشركات وعملت في الصناعة وهذه أعتبرها ضريبة للوطن فأين نستثمر أموالنا في الخارج من أجل حفنة أرباح ويستفيد منها الغير وأنا لم أتعمق في التجارة كثيراً عدا تجارة الشاي والأرز وخسرت فيها ولكن الحمد لله توفقت في العقار وفي الصناعة وبذلك أكون قد فتحت قنوات متنوعة للعمل والرزق والحمد لله ساهمت في بناء ثروتي.