الهيروغليفية وتفسير الحروف المقطعة في القرآن الكريم
عندما نتعرض لكتاب يعنى بالتفسير للقرآن الكريم ، فمن واجبنا أن ننقل ما قاله المؤلف ونترك للمتابع التعليق أو حتى مراسلة المؤلف إن رغب في ذلك . ونحن الآن أمام أحد الكتب الغريبة في تناول التفسير للقرآن الكريم وبالتحديد الحروف المقطعة (الحروف النورانية) واسم الكتاب هو : \"الهيروغليفية تفسّر القرآن - شرح ما يسمى بالحروف المقطعة\" لمؤلفه سعد عبد المطلب العدل والناشر مكتبة مدبولي .
- في مقدمة الكتاب تعرض الكاتب لجميع الأقوال والتفسيرات التي كتبت عن الحروف المقطعة تعكس درايته الواسعه واطلاعه على العديد من التفسيرات، ولا داعي لذكرها لأن جلها تم شرحه في عديد من الروبط بموقع الأرقام ، وخاصة الرابط الخاص بفواتح القرآن (تجدونه أسفل الصفحة).
- كما أن المؤلف قدم تحليلا بيانيا من حيث اللغة العربية وقواعد الترقيم مما يعود بالفائدة والنفع .
ولكن ما ذكره في خلاصة القول وقد قمنا بنقله حرفيا وهو :
يقول الكاتب : (فمن قائل بأن هذه الحروف هي أسماء الحروف الهجائية ، وآخر يقول : إنها أسماء للسور ، وثالث يقول : إنها إعجاز على أنها حروف الكلام ، ورابع يقول إنها أسماء الله تعالى ، وخامس يذكر لنا أنها اختصار ومفتاحلأسماء وسادس يقول بانها أقسام .
ونحن نرى بعد ما فتح الله علينا بفضله ما يلي :
<LI dir=rtl>
إن هذه الرموز ليست هي حروف المعجم وإن تشابه البعض منها ، فالمعروف ان حروف المعجم عددها يبلغ 28 حرفا بل وربما 29 ، والحروف التي ذكرت في أوائل السور لا يزيد عددها على 14 ، وإن قلنا أن الم تشابهت مع الألف واللام والميم في شكلها ونطقها فإن الر : يتشابه فيها الألف واللام ، أما ر ففي القراءات هي ر مفتوحة وليست راء ، وفي كهيعص يتشابه الكاف ، ولكن هيع لا تتشابه حيث تقرأ هاي عيين ، فهذا ليس النطق الصحيح للهاء والعين ، أما طـه فهي ليست حروف الهجاء طاء هاء ، وطس ليست طاء سين ، وفي يـس ليست ياء سين ، إنما ياسين . أما في حـم فلو كانت حروف الهجاء لنطقت : حاء ميم ، وكذا عسق فهي تقرأ عيين . اما من ناحية إعرابها فنحن لا نرى في القراءات أي تنوين لها ، فلو كانت هي من حروف الهجاء لنونت مثلا ولقلنا : بدلا من ألف لام ميم ألفٌ لامٌ ميمٌ بالتنوين ، وهذا ليس الحال هنا . وعلى هذا فهي ليست حروف الهجاء ولا هي أسماؤها .
<LI dir=rtl>
أما من يقولون بأنها أسماء للسور فنقول لهم : إن الاسم يطلق ليميز المسمى عن باقي الأشياء حتى لا تختلط . فكيف نسمي سورة البقرة مثلا سورة ألم وكيف نميزها عن سورة آل عمران أو سورة لقمان أو غيرها (وهي تبدأ بنفس الرمز) ، أو كيف نميز الحواميم عن بعضها لو تسمت كلها حم ، وكذا في الطواسين . وبناء عليه لا يصح هذا الفرض أيضا .
<LI dir=rtl>
ولمن يقولون إنها وردت لتدل على إعجاز ، فإننا نقول لهم : من ناحية انها إعجاز فهي وللحق كذلك ، ولكن ليس لأنها حروف الهجاء بل لأسباب أخرى سنعرض لها خلال البحث .
<LI dir=rtl>
ولمن يقول أنها أسماء الله تعالى ، فإنه لا توجد أي إشارة لا في القرآن ولا في السنة في هذا الاتجاه ، ولا حتى في سياق الآيات التي وردت فيها توجد أي احتمالية لهذا ، فيبقى هذا الادعاء مجرد ادعاء حتى نثبت عدم صحته من خلال فصول كتابنا هذا (لا يزال الكلام للمؤلف) .
<LI dir=rtl>
وأما الذي يقولون بأنها مفتاح واختصارات لاسم الله تعالى أو لنبيه . . . إلخ ، فنقول لهم هذا الكلام يفتح لنا باب الاحتمالات لما قد يكون مختصرا بعدد كلمات اللغة العربية طالما لم يقم دليل على صحة ما نفترض ، وحيث إن أصحاب هذا الاتجاه لم يقدموا ولو دليلا واحدا يثبت صحة ما يقولون ، فتبقى فرضيتهم كما هي في عداد الفرض ونظرية الاحتمالات .
واما من يقولون بأنها أقسام أقسم الله تعالى بها ، فذلك من أبواب النحو ، وسنرد على ذلك في كل سورة على حدة .
بعد هذا العرض الوافر للاتجاهات المختلفة في تفسير هذه الرموز وبعد الرد المختصر عليها (سنعرض لتفسيرات وتأويلات أخرى عرضها بعض المفسرين ، مع تفسير كل سورة ، ونرد عليها بالنقد والتفنيد بعين العقل والمنطق كل في حينه) .
نقول بعد كل هذا : إن النظرية التي تعتبر هذه الرموز حروفا قد بدأت تضعف وتتهاوى ، بل إن الافتراضات التي تحيلنا إلى أشياء غيبية أخذت الآن في الوهن والانحسار ، لا لشيء إلا لأن تفسيرا علميا أصبح ملحا وضروريا .
والفرضية المقابلة - ولا أقول المضادة - تلخص نفسها الآن وتتبلور في كون هذه الرموز ليست حروفا على الإطلاق .
إذن :
الفرضية القديمة : هذه الرموز هي حروف الهجاء .
فرضـــــــــــيـتنا : هذه الرموز هي كلمات وجمل .
منهج البحث
روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي (صلعم) من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف , وميم حرف - صدق رسول الله (صلعم) . والمتأمل في معنى ودلالة الحديث الشريف لا بد وأن يكوون لفت نظره تلك الجزئية : لا أقول الم حرف : فمن البديهيات أنها ليست حرفا واحدا وإنما ثلاثة أحرف (إذا اعتبرنا أنها حروف الهجاء) فماذا يقصد الرسول الكريم من قوله إذن : لا أقول الم حرف ، إلا إذا كان يقصد بكلمة حرف معنى آخر غير مسمى حرف الهجاء ، فهل تعني كلمة - حرف - معنى غير ذلك ؟؟ لننظر في المعجم :
ففي \"لسان العرب\" من معاني كلمة حرف : حرف من حروف الهجاء ، الأداة التي تسمى الرابطة ، القراءة التي تقرأ على أوجه ، والحرف في الأصل الطرف والجانب ، والحرف : الكلمة - يقال هذا الحرف ليس في لسان العرب ، والحرف : اللغة واللهجة ومنه الحديث الشريف (نزل القرآن على سبعة أحرف) .
وعلى هذا تكون الرموز التي تبدأ بها السور هي كلمات وجمل : ولما وجدنا أن هذه الكلمات لا تؤدي إلى معنى من المعاني في اللغة العربية كان لزاما علينا ان نبحث في لغة أخرى من اللغات القديمة أو المعاصرة للغة القرآن .
ولكن هل كل اللغات على وجه البسيطة معنية بهذا الأمر ؟!! .
لقد اختص الله عزّ وجل منطقتنا وهي قلب العالم بكل الرسالات السماوية ، فهل كل لغات المنطقة معنية بالأمر ؟ وهل كل لغات المنطقة مقدسة ؟
بالطبع لا ، فاللغة المقدسة هي تلك التي تنزلت بها رسالة على رسول ، أو نبوة على نبي ، واكتسبت قدسيتها من باب أن الله تعالى خاطب بها الأنبياء والرسل وسائر البشر الذين ما تنزلت الرسالات إلا من أجلهم ومن أجل هدايتهم ودعوتهم إلى الله ووحدانيته .
فإذا غصنا في أعماق التاريخ الديني لكي نحدد أي اللغات مقدسا ، وأيها غير مقدس ، للاحظنا ما هو جدير بالملاحظة :
الملحوظة الأولى :
اللغة العبرية قد تنزلت بها رسالات أنبياء اليهود ؛ بعد إبراهيم إسحق وإسماعيل ثم يعقوب وأبناؤه ، ولنا هنا عدة ملاحظات جدبرة بالاهتمام :
( أ ) أن نبي الله يوسف هو من أبنا يعقوب قد تربى عاش معظم حياته في مصر ، ولا بد أن يكون قد أتقن اللغة المصرية القديمة ، فإذا كان قد بلغ عن الله أي تبليغ فلزم أن تكون اللغة المصرية هي لغة التبليغ ، وحتى وإن كان لا يزال يذكرلغته الأم .
(ب) نبيّ الله موسى ولد وتربى في مصر لا بد أن يكون قد بلغ باللغة المصرية حتى وإن تكلم العبرية إلى جانبها ، وقصص القرآن لهي خير دليل لنا في هذا المقام ، حيث مسرح أحداث القصة يدور في مصر ومع فرعون مصر .
(جـ) سلسلة الأنبياء كداود وسليمان وحتى زمن عيسى بلغوا فيما يبدو باللغة العبرية أو إحدى لهجاتها ، مع العلم أن داود مثلا قد تأثر في مزاميره بأناشيد إخناتون التي ترجمها مما يدل على علمه باللغة المصرية ، ومن المعروف لدى كل علماء المصريات الآن أن المزمور رقم 104 لداود يكاد يكون ترجمة حرفية لترنيمات إخناتون في الوحدانية ، فهل كانت اللغة المصرية في ذلك العهد هي لغة أهل الزمان أو كانت لغة عالمية لكل من أراد أن يعبر .
ومن المعروف أيضا أن النبي سليمان حتى ولو تكلم العبرية ، إلا أن الحكم المأثورة عنه تكاد تكون أيضا ترجمرة حرفية لحكم الحكيم المصري (أمنوبي) ، فهل أتقن هؤلاء الأنبياء اللسان المصري آنذاك أم كان هؤلاء المصريون - إخناتون وأمنوبي - من الأنبياء الذين قال فيهم رب العزة لرسوله : (ومنهم من لم نقصص عليك) أم نقلوا عن أنبياء لا نعرفهم ، أم اقتضت عالمية اللغة المصرية ذلك ؟!
حتى نبي الله عيسى كما يذكر لنا التاريخ المسيحي كان قد قضى طفولته في مصر، وهذا ثابت في رحلة العائلة المقدسة ، فلا مندوحة من التسليم أنه كان يعرف اللسان المصري آنذاك والمعروف لنا الآن باللغة القبطية . فلما عاد إلى فلسطين بلغ بلهجة من لهجات العبرية ، ربما اللهجة الآرامية .
حتى أن أحد حوارييه - مرقص - الذي كلف بنشر الدعوة في مصر وأسس الكنيسة المرقصية بها والتي ما زالت هي مذهب القبط حتى الآن ، لا بد وأن يكون قد عرف اللسان المصري وإلا كانت دعوته للمسيحية في مصر كقبض الريح وغير ذات مضمون كبير وغير مفهومة بدون وسيط اللغة .
( د) ولا نريد في هذا المقام أن نشير قضايا كبرى مثل مصرية سيدنا إبراهيم وسيدنا لوط عليهما السلام ، أو نقول إن نوحا عليه السلام كان مصريا ، وسنفرد إن شاء الله لكل منهم كتابا يثبت ذلك .
ونستطيع من كل ذلك أن نستنتج حقيقة تاريخية هامة ألا وهي :
اللغة المصرية القديمة والمعروفة الآن تحت مسمى \"اللغة الهيروغليفية\" كانت لغة عالمية ، وكانت لسان العصر لكل من أراد أن يعبر أو يكتب أو يتكلم ، ربما لا نبالغ إن قلنا حتى بعثة نبينا محمد (صلعم) .
الملحوظة الثانية :
أن بعض هذه الرموز التي تصدرت بها بعض السور القرآنية مثل : ق ، ص ، ن ، لها شكل مميز شبيه بصورة الأفغال في اللغة المصرية القديمة ، وبالذات أنها لا تحمل نهايات في آخرها ولا تتغير مع تغير الفاعل أو المفعول به ، فإن لها صورة واحدة هي صورة المفرد المذكر حتى وإن اختلف فاعلها من حيث التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية أو الجمع ، وتأكيدا لهذا الكلام نستعرض الآتي :
خصائص اللغة المصرية القديمة
<LI dir=rtl>
اللغة المصرية لا تعرف أداة التعريف أو النكرة ، وفي تفاصيل هذا ، انظر كتاب : Egyptian Grammer لمؤلفه Sir Alan Gardiner فقرة رقم 21 .
<LI dir=rtl>
كما هو الحال في اللغات السامية توجد في اللغة المصرية أنواع الجمل من اسمية وفعلية ، فقرة 27 ، 28 نفس المرجع .
<LI dir=rtl>
قد يأخذ الفعل شكلا واحدا في جميع الأزمنة ، فقرة رقم 30 .
<LI dir=rtl>
قد تحذف نهايات الجمع والمثنى كما هو موضح بالفقرة 74 .
<LI dir=rtl>
أداة العطف - الواو - لا توجد على الإطلاق ، فقرة 91 .
<LI dir=rtl>
يحذف الفاعل إذا كان معروفا من السياق أو متوقعا أو غامضا ، فقرة 145 .
الديانة المصرية القديمة كانت تؤمن بالحياة بعد الموت وبالحساب بعد البعث ومن ثم فقد اشتملت مفرداتها على كلمات في هذا الاتجاه بل وتغطي كل مناحيه ، بل وكل الغيبيات .
ولا نريد هنا أن نسهب في شرح هذه السمات ولكن لأهميتها سنتناولها ثانية في حينه أثناء شرح معتى الرمز في السور ولكنا نجد أنفسنا هنا وفيما يخص الرموز التي في أوائل السور القرآنية نسلم بأنها كلمات من اللغة المصرية لما وجدناه من تشابه كبير من سمات تلك اللغة .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بكل إلحاح : ماهي علاقة اللغة المصرية القديمة .
<LI dir=rtl>
أولا باللغة العربية ؟
<LI dir=rtl>
وثانيا بالجزيرة العربية ؟
وثالثا وأخيرا بلغة القرآن الكريم ونصوصه ؟
وللإجابة على هذه التساؤلات نقول :
أولا : تعتبر اللغة المصرية من أقدم لغات العالم على الإطلاق ، ومن ثم فقد أثّرت وأثْرت اللغات الأخرى بتأثيراتها وثرائها ، ولسنا هنا في مقام تحديد أي اللغات أقدم من الأخرى ، ولكنا هنا سنعجب كل العجب عندما نجد كلمات لا تعد ولا تحصى موجودة في قاموس اللغة المصرية وموجودة أيضا في معجم لغتنا العربية نسوق منها على سبيل المثال لا الحصر : مادة ب ر ك:
|